فصل: صرف القبلة إلى الكعبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 صرف القبلة إلى الكعبة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ صُرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‏‏.‏‏

 غزوة بدر الكبرى

 عير أبي سفيان

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلا من الشام في عير لقريش عظيمة ، فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم ، وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو أربعون ، منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم ‏‏.‏‏

 ندب المسلمين للعير و حذر أبي سفيان

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني محمد بن مسلم الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبدالله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا ، عن ابن عباس ، كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقته من حديث بدر ، قالوا ‏‏:‏‏ لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشام ، ندب المسلمين إليهم ، وقال ‏‏:‏‏ هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله يُنْفِلُكُموها ‏‏.‏‏

فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا ‏‏.‏‏

وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا على أمر الناس ‏‏.‏‏ حتى أصاب خبرا من بعض الركبان ‏‏:‏‏ أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك ‏‏.‏‏ فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه ‏‏.‏‏ فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة ‏‏.‏‏

 ذكر رؤيا عاتكة بنت عبدالمطلب

 عاتكة تقص رؤياها على أخيها العباس

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ، ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، قالا ‏‏:‏‏ وقد رأت عاتكة بنت عبدالمطلب ، قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال ، رؤيا أفزعتها ‏‏.‏‏ فبعث إلى أخيها العباس بن عبدالمطلب فقالت له ‏‏:‏‏ يا أخي ، والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني ، وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة ، فاكتم عني ما أحدثك به ؛ فقال لها ‏‏:‏‏ وما رأيت ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ رأيت راكبا أقبل على بعير له ، حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ‏‏:‏‏ ألا انفروا يا لَغُدُر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه ، فبينما هم حوله مَثَل به بعيره على ظهر الكعبة ، ثم صرخ بمثلها ‏‏:‏‏ ألا انفروا يالغدر لمصارعكم في ثلاث ‏‏:‏‏ ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ بمثلها ‏‏.‏‏

ثم أخذ صخرة فأرسلها ‏‏.‏‏ فأقبلت تهوي ، حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضَّت ، فما بقي بيت من بيوت مكة ، ولا دار إلا دخلتها منها فلقة ؛ قال العباس ‏‏:‏‏ والله إن هذه لرؤيا ، وأنت فاكتميها ، ولا تذكريها لأحد ‏‏.‏‏

 انتشار حديث الرؤيا في قريش

ثم خرج العباس ، فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان له صديقا ، فذكرها له ، واستكتمه إياها ‏‏.‏‏ فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث بمكة ، حتى تحدثت به قريش في أنديتها ‏‏.‏‏

 ما جرى بين أبي جهل و العباس بسبب الرؤيا

قال العباس ‏‏:‏‏ فغدوت لأطوف بالبيت ، وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني أبو جهل قال ‏‏:‏‏ يا أبا الفضل ، إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل ‏‏:‏‏ يا بني عبدالمطلب ، متى حدثت فيكم هذه النبية ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ وما ذاك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ تلك الرؤيا التي رأت عاتكة ؛ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ وما رأت ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ يا بني عبدالمطلب ، أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ، قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال ‏‏:‏‏ انفُروا في ثلاث ، فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك حقا ما تقول فسيكون ، و إن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء ، نكتبْ عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب ‏‏.‏‏ قال العباس ‏‏:‏‏ فوالله ما كان مني إليه كبير ، إلا أني جحدت ذلك ، وأنكرت أن تكون رأت شيئا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم تفرقنا ‏‏.‏‏

 نساء عبدالمطلب يلمن العباس للينه مع أبي جهل

فلما أمسيت ، لم تبق امرأة من بني عبدالمطلب إلا أتتني ، فقالت ‏‏:‏‏ أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ، ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ، ثم لم يكن عندك غِيَر لشيء مما سمعت ، قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ قد والله فعلت ، ما كان مني إليه من كبير ‏‏.‏‏ وأيم الله لأتعرضن له ، فإن عاد لأكفينَّكُنَّه ‏‏.‏‏

 ضمضم الغفاري يستنجد قريشا لأبي سفيان

قال ‏‏:‏‏ فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ، وأنا حديد مغضب أُرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ، ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلا خفيفا ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ إذ خرج نحو باب المسجد يشتد ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ ما له لعنه الله ، أكلُّ هذا فَرَق مني أن أشاتمه ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ وإذا هو قد سمع ما لم أسمع ‏‏:‏‏ صوت ضمضم بن عمرو الغفاري ، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره ، قد جدع بعيره ، وحوّل رحله ، وشق قيمصه ، وهو يقول ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، اللطيمةَ اللطيمةَ ، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوثَ الغوثَ ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر ‏‏.‏‏ ‏

 قريش تتجهز للخروج

فتجهز الناس سراعا ، وقالوا ‏‏:‏‏ أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي ، كلا والله ليعلمن غير ذلك ‏‏.‏‏ فكانوا بين رجلين ، إما خارج وإما باعث مكانه رجلا ‏‏.‏‏ وأوعبت قريش ، فلم يتخلف من أشرافها أحد ‏‏.‏‏

 تخلف أبي لهب عند بدر

إلا أن أبا لهب بن عبدالمطلب تخلف ، وبعث مكانه العاصي بن هشام ابن المغيرة ، وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه ، أفلس بها ، فاستأجره بها على أن يجُزئ عنه ، بعثه فخرج عنه ، وتخلف أبو لهب ‏‏.‏‏

 أمية بن خلف يحاول التخلف

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ‏‏:‏‏ أن أمية بن خلف كان أجمع القعود ، وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا ، فأتاه عقبة بن أبي معيط ، وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه ، بمجمرة يحملها ، فيها نار ومجمر ، حتى وضعها بين يديه ، ثم قال ‏‏:‏‏ يا أبا علي ، استجمر ، فإنما أنت من النساء ؛ قال ‏‏:‏‏ قبحك الله وقبح ما جئت به ، قال ‏‏:‏‏ ثم تجهز فخرج مع الناس ‏‏.‏‏

 ما وقع بين قريش وكنانة من الحرب قبل بدر ، و تحاجزهم يوم بدر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما فرغوا من جهازهم ، وأجمعوا المسير ، ذكروا ما كان بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب ، فقالوا ‏‏:‏‏ إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا ، وكانت الحرب التي كانت بين قريش وبين بني بكر - كما حدثني بعض بني عامر بن لؤي ، عن محمد بن سعيد بن المسيَّب - في ابنٍ لحفص بن الأخيف ، أحد بني مَعيص بن عامر بن لؤي ، خرج يبتغي ضالة له بضجنان ، وهو غلام حدث في رأسه ذؤابة ، وعليه حلة له ، وكان غلاما وضيئا نظيفا ، فمر بعامر بن يزيد بن عامر بن الملوح ، أحد بني يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، وهو بضجنان ، وهو سيد بني بكر يومئذ ، فرآه فأعجبه ؛ فقال ‏‏:‏‏ من أنت يا غلام ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنا ابنٌ لحفص ابن الأخيف القرشي ‏‏.‏‏

فلما ولىَّ الغلام ، قال عامر بن زيد ‏‏:‏‏ يا بني بكر ، ما لكم في قريش من دم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ بلى والله ، إن لنا فيهم لدماء ؛ قال ‏‏:‏‏ ما كان رجل ليقتل هذا الغلام برَجُله إلا كان قد استوفى دمه ‏‏.‏‏

قال ‏‏:‏‏ فتبعه رجل من بني بكر ، فقتله بدم كان له في قريش ؛ فتكلمت فيه قريش ، فقال عامر بن يزيد ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، قد كانت لنا فيكم دماء ، فما شئتم ‏‏.‏‏ إن شئتم فأدوا علينا ما لنا قبلكم ، ونؤدي ما لكم قبلنا ، وإن شئتم فإنما هي الدماء ‏‏:‏‏ رجل برجل ، فتجافوا عما لكم قِبَلَنا ، ونتجافى عما لنا قبلكم ، فهان ذلك الغلام على هذا الحي من قريش ، وقالوا ‏‏:‏‏ صدق ، رجل برجل ‏‏.‏‏ فلهوا عنه ، فلم يطلبوا به ‏‏.‏‏